تعتبر الجمهورية من أضخم الآثار التي تركها الفيلسوف اليوناني الكبير أفلاطون، حيث عالج خلاله الكثير من النظم السياسية وفلسفاتها، وعرض بأسلوبه الرائع مفهوم الديموقراطية الصحيحة وشروط تحققها في المجتمع اليوناني في عصره ويمكن أن تندرج مفاهيمه ضمن كل مجتمع وكل عصر... هذا بالإضافة إلى آرائه الجليلة والتي تتخلل الحوار الفلسفي في معاني الفضيلة والقوة والشعر والخير والحق والخيال مما جعل هذا الكتاب من أمهات المراجع الفلسفية التي يرجع إليها في كل موضوع... والتي نقلت بعناية فائقة إلى مختلف لغات العالم.
وهذه النسخة تضم الترجمة الكاملة لهذا العمل بأسلوب سهل وواضح، تعرض من خلالها أمانة الترجمة. 'الدولة برجالها، والأمة بأحادها. على هذا المحور يدور القسم الأكبر من مباحث جمهورية أفلاطون. في هذا الكتاب والتاريخ كله أدلة قاطعة تثبت هذه النظرية. فقد أنشأ الإسكندر المقدوني الدولة اليونانية، وشارلمان الدولة الفرنسية، وبطرس الكبير الدولة الروسية، وغاريبالدي ورفقاؤه الدولة الإيطالية. وقس على ذلك مئات الشواهد في كل العصور. تحيا الأمة أو تموت، وتعلو أو تسفل، وتسعد أو تشقى، بقياس ما فيها من الآحاد، النوابغ، وبقياس معاملتها أولئك الآحاد. فأمة، أو دولة تقدر أحادها، وتطلق أيديهم في إبراز ما أوتوا من علم أو فن أو إبداع، وتمهد لهم الوسائل للفوز والفلاح، هي أمة، أو دولة، سعيدة خالدة. أما الدولة التي تغل أيدي نوابغها، وتقيم العقبات في سبيلهم، فهي دولة متعسفة. فتربية الرجال، ومكانتهم، ورعايتهم، وما لهم من النفوذ في الدولة، يشغل القسم الخيالي في "جمهورية أفلاطون". وقد رمز بذلك إلى الرجل الفذ الأريجي، الحكيم، الشجاع العنيف العادل، الذي يدعوه "المثل الأعلى" وهو ركن الدولة المثلى. فإذا سرّح القارئ طرفه في الجمهورية، رأى أمامه جواً صافياً، حافلاً بالمثل، مزداناً بغرر بالأفكار، فتثور في نفسه محبة الجمال، وتنطبع تلك النفس بطابع الجمال الذي رأت مثله في تفكير أفلاطون، من نزاهة نفس، وسديد رأي، وثاقب نظر، وعالي همة، وترفع عن التقليد والزلفى، وعن مسايرة البيئة. وبالإجمال عن كل ما يغل الفكر من عادات وتقاليد وأوهام.
ففي هذا الموقف يتجلى للذهن جمال الحقيقة الخلاب، فتصير ضالته المنشودة، وجوهرته المطلوبة. هذا هو الرجل الذي تفتقر سدّة الحكم إليه في العالم أجمع. ونظراً لأهمية هذا الموضوع، ولأهمية النص الأساسي الذي وضعه أفلاطون حول الجمهورية المثالية تأتي هذه الترجمة التي هي سهلة المأخذ، واضحة البيان، لتكون في متناول جميع المستويات. ويشير المترجم إلى أن ما ورد في كتاب الجمهورية من أشعار هي من نظم هوميروس وهسيووس، وغرض أفلاطون في ذلك نقدها وتفنيد ما تضمنت من المبادئ الفاسدة، والتعاليم المنكرة، فمسألة قيمتها الأدبية ليست محور أفلاطون حتى ساقها في كتابه هذا.
أفلاطون: أحدُ أشهر وأعظم الفلاسفة الغربيين، موسوعيُّ المعرفة، عميقُ الفكر، له طريقة فريدة في عرض أفكاره بأسلوبٍ بسيط ومنطقي يَفتِن القراء.
وُلد أرسطوقليس بن أرستون في أثينا عام ٤٢٧ق.م تقريبًا، واشتُهر باسم «أفلاطون» الذي يُعبِّر عن ضخامة الجسد. تَربَّى في عائلةٍ أرستقراطية مثقفة اهتمَّت بتربيته بدنيًّا وفكريًّا، بدأ حياته بالتعلُّم من السفسطائيين ومن أحد تلامذة هرقليطس، وبعدها قابل مُعلمه سقراط ولازمه حتى صدور حكم الإعدام الجائر للمعلم؛ الأمر الذي جعله يرى الفسادَ في نظام الحكم وضرورة أن تكون الفلسفة أساسًا لهذا النظام، وهو ما دفعه للقيام برحلته الكبرى من أجل البحث عن الحكمة؛ فسافر إلى مصر وزار إقليدس وتعلم من كهنة عين شمس، ثم إلى قورينا والتقى بالعالِم الرياضي المشهور تيودورس وتعلم الشعر والموسيقى والرياضيات والفلك … واستمرت رحلاتُه اثني عشر عامًا، عاد بعدها إلى أثينا مسقط رأسه إنسانًا ناضجًا تمامًا، وأسَّس فيها مدرستَه الفلسفية، وانقطع بعدها للكتابة والتعليم.
له العديدُ من المؤلفات التي اتَّبع فيها أسلوبَ المحاورة لشيوعه في عصره، متمثلًا شخصيةَ مُعلمه سقراط، وناقش العديد من القضايا الفلسفية، كالوجود والفضيلة والروح والمعرفة والحب … وتميَّزتْ فلسفته المثالية بالسعي الدائم لتحصيل المعرفة الكلية الشاملة من أجل الوصول إلى الحقيقة كهدفٍ أسمى. ومن أهم مؤلفاته كتاب «الجمهورية» الذي يتكلم فيه عن الفلسفة السياسية في عشرة كُتيِّبات، وكتاب «المأدبة» في فلسفة الحب.
تتلمذ على يديه العديدُ من أعلام الفلاسفة، أشهرُهم تلميذه أرسطوطاليس الذي اهتمَّ بحضور مناقشات أفلاطون، والذي نقل عنه شفهيًّا ما يصح أن يُطلَق عليه «تعاليم أفلاطون غير المكتوبة» من خلال مدرسته المشائية.
تُوفِّي أفلاطون عام ٣٤٧ق.م بعدما وضع أُسُس الفلسفة المثالية وترك أثرًا في الإنسانية لا يُمحى.
حنا خباز: أديب وكاتب سوري بارز، كتب العديدَ من المؤلَّفات الأدبية والتاريخية المهمة، هذا بالإضافة إلى مقالاته وكتاباته الداعية للإصلاح، التي كانت سببًا في صدور حُكْمٍ بسجنه لمدة ثلاثة أَشْهُر.
وُلِد «حنَّا بن عبد الله بن حنَّا بن داود بن إلياس العجي» عام ١٨٧١م في مدينة «حمص» من أبوَيْن فقيرين، وقد اتَّخَذ «حنَّا» اسمَ «خبَّاز» لأن والده كان خبَّازًا، وغلب هذا اللقب على أسرته. تعلَّمَ القراءة في أحد الكتاتيب الأهلية، ثم التحَقَ بالمدرسة الإنجيلية بحمص؛ حيث درس اللغة العربية وبعض مبادئ العلوم، وبعدها التحَقَ بمدرسة صيدا لمدة عامين ونال منها الشهادة الثانوية، وكان من زملائه فارس الخوري ونقولا الحداد.
كان «حنا خباز» مواظبًا على حضور الاجتماعات الدينية ودراسة الكتاب المقدَّس، وفي عام ١٨٩٥م أنهى دروسه اللاهوتية ونال شهادتها. وفي عام ١٨٩٦م تزوَّجَ خباز من «آجيا اليازجي» وأنجَبَ منها أربعة بنين وبنتًا. اضطُرَّ «حنا خباز» إلى مغادرة حمص والسفر إلى مصر، ومنها إلى أمريكا عام ١٩١٧م؛ هربًا من الحكم بالسجن الذي صدر ضده، وبعد سنواتٍ عاد إلى حمص، إلا أنه غادَرَها مرةً أخرى وسافَرَ إلى مصر والسودان من عام ١٩٢٦م إلى عام ١٩٣٨م، وبعدها عاد إلى دمشق وظلَّ بها عشر سنوات، ثم انتقَلَ بعائلته إلى لبنان وبقي فيها حتى أدركَتْه المَنِيَّة.
عمل في بداية حياته في حياكة الحرير والنقش بالقصب وذلك عام ١٨٨٩م، وبعد تخرُّجه قام بالتدريس في المدرسة الإنجيلية الابتدائية بحمص عام ١٨٩١م، وفي عام ١٩٠١م عُيِّن واعظًا لكنيسة حمص الإنجيلية ومديرًا لمدارِسها، وقد أسَّسَ كلية حمص الوطنية. وفي عام ١٩١١م أصدَرَ جريدة «جادة الرشاد»، وهي جريدة أسبوعية إخبارية اجتماعية، كما تولَّى «خباز» رئاسةَ الطائفة الإنجيلية في دمشق عام ١٩٤٨م.
له العديد من المؤلَّفات الأدبية والتاريخية، نذكر منها: «فرنسا وسوريا»، و«روايات الفن والإبداع في الفلسفة والأدب في كل العصور»، و«حول الكرة الأرضية»، و«لطائف أخباري في متاحف أسفاري»، و«الفلاسفة في كل العصور»، و«فلاسفة الإرهاب»، و«معارك فاصلة في التاريخ»، كما ترجَمَ إلى العربية كتابَ «جمهورية أفلاطون» و«مسرحيات شكسبير». تُوفِّي «حنَّا خبَّاز» في «سوق الغرب» بلبنان عام ١٩٥٥م.